ولاية ترامب الثانية.. وعود بإنهاء الحروب العالمية ومخاوف من تهديد حقوق الإنسان
ولاية ترامب الثانية.. وعود بإنهاء الحروب العالمية ومخاوف من تهديد حقوق الإنسان
يبدأ الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، ولايته الثانية في 20 يناير الجاري، وسط تغيرات جيوسياسية واسعة حول العالم، إذ يحمل ملف السياسة الخارجية للولايات المتحدة وعودا وخططا بشأن أوروبا وصراعات الشرق الأوسط والحرب الروسية الأوكرانية ودول الجوار وغيرها.
وتعهد ترامب أثناء حملته الانتخابية بإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية وإقرار السلام، قائلا: "يجب إنهاء هذه الفوضى الحقيقية"، فيما قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف إن "الرئيس فلاديمير بوتين أعرب عن انفتاحه على إجراء اتصالات مع قادة العالم بمن فيهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب"، مثنيا على استعداد (ترامب) لحل المشكلات من خلال الحوار.
ويخالف هذا التوجه ما كانت عليه الولايات المتحدة في ظل رئاسة الديمقراطي جو بايدن، إذ وصفت الولايات المتحدة آنذاك بأنها الداعم الرئيس لأوكرانيا منذ بداية الحرب في 24 فبراير 2022، وقدمت أكثر من 65 مليار دولار من المساعدات العسكرية.
وبشأن الحرب على غزة، لا يخفي ترامب موقفه الداعم لحرب إسرائيل في القطاع، ومطالبتها بالإسراع في إنهائها، لأنها تتسبب لها بخسارة معركة العلاقات العامة، كما ورد في مقابلته مع صحيفة "إسرائيل اليوم" والتي طالب فيها بإدارة أكثر دهاء للجرائم الإسرائيلية، إذ قال "كل ليلة أرى مباني تسقط على الناس، وقيل إن هذه المشاهد قدمتها إسرائيل من خلال وزارة الدفاع الإسرائيلية، وأنا أقول: لماذا يقدمون هذا؟ إنها صورة سيئة.. افعلوا ما يتعين عليكم القيام به، لكن لا ينبغي للناس أن يروا ذلك"!
ثم عاد ليتعهد بإنهاء الحرب في خطابه في مدينة ميلواكي بولاية ويسكونسن، محذرا بأنه "من الأفضل أن يعود الرهائن الإسرائيليون قبل أن أتولى منصبي وإلا سيتم دفع ثمن باهظ".
وقبل إبرام اتفاق الهدنة الهشة في لبنان، أفادت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، بأن ترامب يريد إنهاء الحرب في لبنان قبل التنصيب في 20 يناير الجاري، فيما تشير تقديرات مراقبين إلى أن الأيام المقبلة ستشهد إمكانية حسم الاتفاق الهش وتحويله لأكثر تماسكا مع تنصيب ترامب.
ومن التهديد بالسيطرة على قناة بنما إلى الاستيلاء على جزيرة جرينلاند من الدنمارك، مروراً بتحويل كندا إلى الولاية رقم 51 بأمريكا، أشعلت تصريحات ترامب الصادرة قبل أيام التوتر في العلاقات الخارجية مع دول الجوار قبل تنصيبه، في ظل رفض قادة تلك الدول لهذه التصريحات.
واقترح ترامب أن الولايات المتحدة قد تستوعب كندا لتصبح الولاية رقم 51، كما هدد بالسيطرة على قناة بنما، التي تم إنشاؤها بتمويل أمريكي وتديرها بنما حالياً منذ عام 1999، مبرراً بأن السيطرة على القناة ستقلل من الرسوم التي تفرضها بنما على السفن الأمريكية العابرة بين المحيطين الهادئ والأطلسي.
وبشأن جرينلاند، جدد ترامب رغبته التي عبر عنها سابقاً في شراء الجزيرة، التي تملكها الدنمارك، واصفاً إياها بأنها ضرورية لأغراض الأمن القومي.
مخاوف وشكوك
وأواخر ديسمبر الماضي، أكد السيناتور الديمقراطي بن كاردين (مؤيد قوي لإسرائيل)، أنه يشعر بالقلق حيال تراجع الاهتمام بملف حقوق الإنسان في الولايات المتحدة خلال الفترة الثانية للرئيس المنتخب دونالد ترامب، وذلك قبل أيام من تقاعده من رئاسة لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ.
وأضاف كاردين في مقابلة صحفية، "لدى سؤاله عن ترامب الذي سيعود إلى البيت الأبيض في 20 يناير الجاري، لا أريد أن أصدر أحكاماً مسبقة، لكنني قلق للغاية من أن حماية حقوق الإنسان قد لا تكون بنفس أهمية الأهداف الأخرى التي يسعى ترامب لتحقيقها".
واعترف كاردين بأن ولاية ترامب الثانية قد تعقد الجهود الرامية إلى تحقيق السلام في الشرق الأوسط وإقامة دولة فلسطينية في نهاية المطاف، قائلا: "رغبة الولايات المتحدة وشركائها في تشكيل تحالف لمواجهة إيران والتغيرات التي حدثت في الآونة الأخيرة في سوريا تدعوه للتفاؤل. هناك الكثير من الأمور التي تحدث في المنطقة، والتي تدفعنا للتفاؤل بأننا نستطيع أن نطوي صفحة غزة".
واعتبرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقرير حديث أن "ولاية دونالد ترامب الثانية كرئيس للولايات المتحدة تشكل تهديدا خطيرا لحقوق الإنسان في الولايات المتحدة والعالم"، مستحضرة هذه المخاوف من سجل ترامب في انتهاك الحقوق خلال ولايته الأولى وتعهدات ترامب خلال حملته الانتخابية لعام 2024.
ولفت التقرير إلى أن "ترامب أشاد تكرارا بالحكام المستبدين مثل فيكتور أوربان وفلاديمير بوتين وكيم جونغ أون، كما اقترح سياسات تضعف المؤسسات الديمقراطية التي تحمي حقوق الإنسان الأساسية وتقلص الضوابط على السلطة الرئاسية، ودعا إلى سياسات متطرفة تشمل الاحتجاز الجماعي للمهاجرين والترحيل الجماعي لملايين الأشخاص، ما قد يمزق العائلات ذات الجذور العميقة في الولايات المتحدة".
وأضاف التقرير: "بالنسبة للسياسة الخارجية، أظهر ترامب خلال ولايته الأولى احتراما ضئيلا للمعاهدات والمؤسسات متعددة الأطراف أو جهود حماية حقوق الإنسان للأشخاص الذين يعيشون في ظل حكومات قمعية. عملت إدارته باستمرار ضد حقوق المرأة والتقدم البيئي في الأمم المتحدة، وحاولت إعادة تعريف وتقييد تعريف الحقوق التي يجب حمايتها من خلال وزارة الخارجية الأميركية".
ولفت إلى أن "ترامب أشار إلى معارضته تمويل المساعدات الإنسانية وجهود حماية المدنيين في النزاعات والأزمات الكبرى. من المرجح أن تؤدي الشراكات مع الحكومات التي تنتهك الحقوق خلال إدارة ترامب الجديدة إلى تشجيع هذه الحكومات على إيذاء مزيد من الأشخاص ضمن صلاحياتها، وإدامة دورات الانتهاكات والإفلات من العقاب في جميع أنحاء العالم".
لا تغيير فارق
ويعتقد عضو الحزب الديمقراطي والباحث والمحلل السياسي الدكتور مهدي عفيفي، أن سياسية ترامب الخارجية في دعم إسرائيل لن تختلف كثيرا عما قدمه سلفه جو بايدن، وهذا معروف عن دعم أمريكا المطلق لحليفه بالشرق الأوسط.
وقال عفيفي في تصريح لـ"جسور بوست"، إن عودة ترامب للبيت الأبيض لن تؤثر على حقوق الإنسان عالميا بشكل جذري، ولا يمكن قياس حقوق الإنسان عالميا بما حدث في غزة ودعم الولايات المتحدة الأعمى لإسرائيل بالمطلق.
واستبعد أن وعود ترامب بإنهاء حرب غزة تماما وإبرام السلام ستكون أمرا سهلا، ولكن ربما تتواصل وعوده من باب تسجيل نقاط مع مؤيديه، دون أن تساهم السياسة الخارجية في رؤية سلام حقيقي قريبا، موضحا أن ما ينطبق على غزة ينطبق على لبنان التي تشهد الأوضاع بها هدوءا نسبيا، ولذلك من غير المتوقع أن تتخلى واشنطن عن دعم تل أبيب وتقديم إغاثة كافية للفلسطينيين.
وبشان حرب روسيا وأوكرانيا، يعتقد عفيفي أن السياسة الخارجية لترامب تميل لوقف الدعم لأوكرانيا، واللعب بهذه الورقة مع أوروبا، وهذا الشيء لن يساعد كثيرا في إيجاد حالة استقرار سريعة خاصة وأوروبا مع كييف بشكل كبير وترفض دعم موسكو على حسابها، وبالتالي ستكون مسألة معقدة أمام تحركات ترامب الخارجية وخططه بشأن السلام والاستقرار.
ودعا مهدي عفيفي، لعدم أخذ تصريحات ترامب في شأن سياساتها الخارجية مع دول الجوار على محمل الجد، لافتا إلى أنها لا تخرج عن كونها ضغوطا، خاصة وأن أي ضرائب أو جمارك ستفرض على تلك الدول ستزيد الأسعار على المستهلك الأمريكي الذي ليس لديه بديل لمنتجاته القادمة من تلك البلدان، ما يؤدي لردود فعل عكسية لا يريدها ترامب.
إنهاء للحروب
وبرأي الأمين العام لمركز الفارابي للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور مختار غباشي، أن السياسية الخارجية لترامب قادرة على إنهاء حروب بالمنطقة، مثل ما في غزة ولبنان، خاصة أن مبعوثه شارك في مفاوضات التهدئة وحقق ضغوطا كانت مطلوبة منذ فترة، لافتة إلى أن تهدئة في أي ملف ستصب في الحقوق الإنسانية بالتبعية لا سيما في فلسطين.
وقال غباشي في تصريح لـ"جسور بوست" إن السياسة الخارجية الأمريكية تتطلع في عهد ترامب لمصالحها أكثر، وبالتالي في أي تأثير إيجابي قد يحدث في المنطقة، ستبحث أمريكا عن ثمن لها وهذا أمر خطير خاصة وأنه في فلسطين هناك أحاديث عن الثمن مثلا وضع السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية وهذا أمر مرفوض.
وأضاف “ستتنافس مصالح واشنطن وهي تتحرك في إطار سياساتها الخارجية بعهد ترامب مع مصالح دول أخرى مثل فرنسا وتركيا وروسيا وغيرهم”، يضيف الدكتور مختار لغباشي، محذرا أن تسوية ترامب الأزمة الأوكرانية ستكون محط أنظار وعلامة لافتة في مسار السياسة الخارجية الأمريكية خاصة في ظل أحاديث أنه يسعى لحسمها لروسيا في ظل رفض أوروبي.
ويعتقد الدكتور غباشي أن حديث ترامب بشأن دول الجوار، لا يعطي صورة جيدة للسياسة الخارجية الأمريكية وقد يفاقم الأمور أكثر مع مواطنيه، مشيرا إلى أن مجيء ترامب ليس بالمطلق إيجابيا أو وليس بالمطلق سلبيا، فكل قضية لها خسائر ومكاسب وستسعى السياسة الخارجية الأمريكية وترامب لأن يكونا رابحين دائما.